May 26, 2007

شبكة المعلومات تشب عن الطوق

شبكة المعلومات تشب عن الطوق

مجلة العربي، الملحق العلمي، يونيو 2007


وليد الشوبكي

يعتبرها البعض بدايات الجيل الثاني من الشبكة العالمية للمعلومات، ويطلقون عليها "ويب 2.0." ويعتقد آخرون أن "ويب 2.0" لفظة تسويقية أكثر منها دالّـة. ولكن هؤلاء وأولئك يجمعون على أن انعطافة غير مسبوقة تحدث الآن في مسار تطور الشبكة العالمية للمعلومات. (نسخة أيسر للطباعة نسق بي دي إف)

يتفق محللون كثُر على أن الشبكة العالمية للمعلومات (World Wide Web) تنحو الآن منحى جديدا في مسار تطورها. ولكنهم يختلفون حول كل ما عدا ذلك تقريبا. فيختلفون، مثلا، حول كنه هذا التغير في المسار، ومغزاه، والنهاية التي يمكن أن ينتهي بنا إليها.

الذين أطلقوا لفظة "ويب 2.0" (Web 2.0) – وأولهم ديل داورتي عام 2003 – لا يعرّفونها بتعريف واحد، وإنما بأمثلة تدل على ما يقصدون. فيشيرون لنماذج واتجاهات يعتقدون أنها تعتمل الآن وستسود الشبكة العالمية في المستقبل.

الشبكة نظام التشغيل الأشمل

أول هذه الاتجاهات – كما أورد تيم أورايلي في مقال شهير في سبتمبر 2005 أعادت مجلة "BusinessWeek" نشره – أن تصبح الشبكة العالمية للمعلومات (اختصارا: الويب) هي نظام التشغيل الأشمل. ويشير بذلك إلى التطبيقات والخدمات الجديدة التي بدأت في البزوغ وتعمل عبر متصفح الإنترنت، دون تقيد بنظام تشغيل معين. ومن أمثلة ذلك موقع (Writely.com) المجاني الذي يتيح خدمة معالجة النصوص، إنشاء وحفظا واسترجاعا على الويب من خلال متصفح الإنترنت. وهو ما يعني أنك تستطيع أن تفتح هذه الملفات وتحررها وتحفظها مرة أخرى من أي حاسوب في العالم متصل بالإنترنت، كما هو الحال مع خدمات البريد الإلكتروني الشائعة. ويختلف ذلك جذريا عن برامج معالجة النصوص التقليدية (كبرنامج "ورد" من مايكروسوفت) الذي يجب تثبيته على الحاسوب الشخصي، و لا يمكن الاستفادة من الملفات إلا عبر ذلك الحاسوب بعينه.

ولا يقتصر ذلك على برامج معالجة النصوص. فثمة مواقع تقدم خدمة الجداول المحاسبية، مثل (NumSum.com)، وأخرى تقدم حزما شبه متكاملة للبرامج المكتبية (مثل gOffice.com وThinkFree.com). وهناك أيضا موقع Meebo.com الذي يتيح – من نافذة متصفح الإنترنت – الدردشة عبر أشهر مقدمي خدمة الدردشة: ياهو وMSN وAOL دون الحاجة لتحميل أو تحديث أي منهم. وهناك مواقع عديدة تمنح مجانا (تقريبا) مساحات تخزينية للمستخدمين ليحفظوا ملفاتهم، إما للاستخدام الشخصي أو لمشاركتها مع آخرين، مثل SaveFile.com وeSnips.com. يجمع بين هذه الخدمات أن المستخدم يستفيد منها بصورة كلية عبر شبكة الويب.

الذكاء الجمعي

ثاني الاتجاهات في ما يسمى "ويب 2.0" أو الجيل الثاني من الشبكة العنكبوتية، أن المواقع التي تحظى بأعظم النجاحات هي تلك التي تًصمم خدماتها بحيث تستفيد من الذكاء الجمعي لمستخدميها.

ويضرب تيم أورايلي – وهو ناشر شهير لكتب وموسوعات تكنولوجيا المعلومات – مثالا على ذلك بشركة أمازون لتجارة التجزئة على الويب. فموقع أمازون، والذي بدأ نشاطه ببيع الكتب عبر الإنترنت عام 1996، سرعان ما أصبح أكبر منفذ إلكتروني في العالم في بيع الكتب، رغم أنه لم يكن أول من يقوم بذلك. ومرجع ذلك أن أمازون لم تكتف ببيع الكتب كما فعل ويفعل آخرون. وإنما دعت مستخدميها إلى إرسال تعليقاتهم ونقدهم ومراجعاتهم لما يشترون من كتب. ثم قامت أمازون بنشر هذه المساهمات لتكون مرشدا لمن يرغب من المستخدمين الجدد في شراء الكتب التي أبدى فيها آخرون آراءهم.

إضافة إلى ذلك، ابتكرت أمازون خدمة "قوائم الترشيح." فعند زيارتك لصفحة أحد الكتب ستجد قوائم ترشيح تخبرك أن المستخدمين الذين اشتروا هذا الكتاب اشتروا معه أيضا كتب كذا وكذا؛ وأيضا أن القراء الذين اشتروا كتبا لهذا الكاتب يقرؤون كتبا للكتاب فلان وفلان. والمقصود أن أمازون ذاتها لا تضيف كثيرا لما تبيع من منتجات، وإنما تحسن إدارة ما لديها من معلومات، مصدرها المستخدمون أنفسهم. ويذكر كاتب السطور أنه قضى ذات مرة حوالي 4 ساعات في قراءة آراء المستخدمين حول طرز مختلفة من مسجلات الصوت الرقمية على أمازون إلى أن اختار إحداها وهو متيقن بعض الشيء ما الذي سيشتريه، وهو ما يختلف عن السابق حيث كانت تجربة الشراء مجازفة كاملة.

ومن أمثلة الاستفادة من الذكاء الجمعي للمستخدمين، أيضا، إتاحة الشركات لواجهة المبرمجين (اختصارا API) بغير قيود، بحيث يتمكن المستخدمون من ابتكار خدمات وتنويعات جديدة على الموقع أو الخدمة الأصلية. فشركة جوجل مثلا أعقبت طرح خدمة الخرائط بإتاحة واجهة المستخدمين، مما شجع الكثير من المبرمجين الهواة على استحداث تنويعات من الخدمة، بتحوير نسخ منها أو دمجها مع خدمات أخرى مبتكرة. ولم تعترض جوجل على ذلك (للمزيد راجع مقال "إعادة اكتشاف الجغرافيا إلكترونيا" بعدد مايو 2006 من الملحق العلمي).

وداعا للتحديثات

ثالث الاتجاهات في موجة "ويب 2.0" هو أفول عصر تحديث البرامج والتطبيقات بصورة دورية. ففي النموذج الذي ساد طوال العقد الماضي، يشتري المستخدم برنامجا أو تطبيقا، ثم يضطر بعد عام أو أكثر إلى شراء الإصدار الأحدث منه، لأن سابقه لم يعد يعمل على حاسوب جديد، أو لأن الشركة التي أنتجته لم تعد تدعمه تقنيا. ولأننا نستخدم عشرات البرامج والتطبيقات فإن تحديثها دوريا ربما كان أكثر مصادر "وجع الدماغ." أما في النموذج الآخذ في الظهور الآن، فليس على المستخدم سوى الاستفادة من الخدمة أو التطبيق، إما مجانا أو باشتراك شهري أو سنوي، وكل ما عدا ذلك يقوم به مقدم الخدمة.

فنحن مثلا لا نعطي بالا لتحديث محركات البحث MSN أو ياهو أو جوجل، وإنما نستفيد منها فحسب. أما تحديثها وتحسين أدائها فمهمة هذه الشركات، ونحن نكاد لا نهتم طالما أن الخدمة جيدة. وفي أحيان أخرى، لو أنك تستفيد من خدمة شركة SalesForce.com (لإدارة العلاقات مع عملاء الشركات، أو اختصارا CRM) فليس مطلوبا منك أكثر من دفع اشتراك شهري، وكل ما عدا ذلك تقوم به الشركة ذاتها.

رابع اتجاهات "ويب 2.0" أن دور المستخدمين لا يقف عن حدود الاستفادة من المعرفة المتاحة وتناقلها، وإنما يتضمن المشاركة في صنعها أيضا. والمثال الشائع لذلك موسوعة "ويكيبيديا" المجانية. إذ يتعاون في إعداد موادها آلاف المتطوعين حول العالم، وهي تمنح أي زائر لها إمكانية تحرير ما عليها من مواد أو إضافة الجديد. وتفوق ويكيبيديا في عدد موادها الآن دائرة المعارف البريطانية الشهيرة.

الشبكة متحررة من القيودة

نستطيع إذن أن نخلص إلى تعريف لـ "ويب 2.0" بأنها شبكة المعلومات وقد شبت عن الطوق، فصارت قادرة على تقديم كافة أنواع الخدمات لمستخدميها (من معالجة نصوص وجداول محاسبية، وقواعد بيانات، وبريد إلكتروني وحفظ ملفات) دون النظر إلى نوع نظام التشغيل، أو إلى نوع الأداة الحاسوبية المستخدمة (سواء حاسب شخصي أو هاتف نقال أو غيرهما)، وكذلك دون التقيد بقيود الجغرافيا، إذ يمكنك أن تنشئ وتحفظ وتسترجع كافة أنواع الملفات من أي نقطة على الأرض طالما أن لديك أداة حاسوبية قابلة للاتصال بالشبكة العالمية.

ولكن "ويب 2.0" نالت نصيبها من النقد أيضا. فالبعض ينتقد التسمية بأنها غير دقيقة، معتبرين أن التطور الذي يحدث الآن (والذي من سماته مشاركة المستخدمين في صنع المعرفة والاستفادة من الذكاء الجمعي لهم في تحسين الخدمات المقدمة) ترجع جذوره لبدايات شبكة الإنترنت في السبعينيات ثم الويب في أوائل التسعينيات، وأن ما نرى الآن ثمار وليس ابتكارا جديدا في ذاته. وإن كانت هذه التطبيقات تحظى الآن بانتشار أكثر من أي وقت مضى.

وثاني الانتقادات لـ "ويب 2.0" أن الملفات الشخصية المحفوظة على الحواسيب الخادمة لمقدمي الخدمة (سواء كانت الرسائل الإلكترونية أو ملفات النصوص) ربما تكون أقل أمانا مما لو حفظت على الحاسوب الشخصي. كما أن بعضا من هذه الشركات التي تبزغ لتقديم هذه الخدمات الإنترنتية المجانية تخفق في أحيان كثيرة في خلق مصدر للأرباح وتضطر لإيقاف خدماتها بعد حين.

وثالث الانتقادات أن برامج معالجة النصوص أو الجداول المحاسبية المعتمدة على الويب لا تزال في أطوارها الأولى ولم تصل بعد لدرجة الإتقان والشمول الوظيفي اللذين تحظى بهما الآن برامج معالجة النصوص والجداول المحاسبية التقليدية.

سطوة الهواة؟

أما رابع الانتقادات للموجة الجديدة فأنها تشجع المعرفة التي يصنعها هواة – كالمدونات وموسوعة ويكيبيديا – بدرجة مبالغ فيها أحيانا لأنها مجانية في الغالب، مما قد يؤثر سلبا على تقدير المجتمع للأفراد الذين يقومون بصورة مهنية بصنع المعرفة، كالصحفيين أو متخصصي كتابة الموسوعات وغيرهم. أو كما كتب نيكولاس كار، المحرر السابق لمجلة هارفارد بيزنس ريفيو، في مدونته أن ذلك سيؤدي إلى شيوع ثقافة "قبول المنتجات المعرفية التي يصنعها الهواة." وأكد كار أنه لا يمكن الوثوق بنزاهة مواد موسوعة ويكيبيديا كما نثق بمواد دائرة المعارف البريطانية مثلا. وأشار إلى أن زهد المجتمع في المنتجات المعرفية الموثوقة ربما تكون له آثار سالبة في المستقبل.

هل ستواصل برمجيات "ويب 2.0" طريقها التطوري وتحظى بقبول عموم المستخدمين أم أنها "موضة" تكنولوجية سرعان ما ستخبو؟ أغلب الظن أن كلا النموذجين – برمجيات الويب والبرمجيات المثبتة على الحاسوب الشخصي – سيستمران في المستقبل دون أن يقصي أحدهما الآخر بصورة نهائية. وسيسفر المستقبل القريب عن طبيعة هذا التعايش المشترك.

w.shobakky@gmail.com

إطار جانبي: مواقع هامة

*مواقع الحزم المكتبية: gOffice.com، ThinkFree.com.

*مواقع معالجة النصوص: Writely.com، Writeboard.com

*مواقع الجداول المحاسبية: iRows.com، Numbler.com، NumSum.com Spreadsheets.google.com

*مواقع لخدمات الرزنامة: kiko.com، voo2doo.com، وGoogle.com/calendar

*مواقع حفظ الملفات على الشبكة: SaveFile، Box.net، Znail.com، eSnips.com

*موقع لتصميم وحفظ الأشكال التوضيحية: Gliffy.com

* موقع الترجمة الفورية (منها العربية والإنجليزية في الموقع الأول): Translate.google.com، Babelfish.altavista.com/tr، Freetranslation.com