October 26, 2007

من محركات الوقود لمحركات البحث


مجلة العربي (الكويت)، أغسطس 2005 [العنوان المنشور في مجلة العربي: محركات بحث وبليونيرات شبان]


حققت محركات البحث على الإنترنت هائل النجاح والأرباح لكونها الوسائل الأولى لمساعدة المستخدم للوصول لما يريد وسط محيط الشبكة العالمية.

في 19 أغسطس 2004 طرحت شركة "جوجل"، محرك البحث الشهير على الإنترنت، أسهمها للاكتتاب العام في بورصة "ناسدك" الأمريكية، وبلغت قيمة سهم الشركة في أول أيام التداول 100 دولار أمريكي. مما جعل التقييم المالي للشركة يتخطى الـ 20 مليار دولار، وهو ما يفوق التقييم المالي لشركة جنرال موتورز للسيارات. وفي أوائل فبراير هذا العام كان سهم جوجل في ارتفاعه المستمر بحيث قفز بتقييم الشركة – التي أسست عام 1998 – لحوالي 55 مليار دولار، وهو ما يفوق التقييم المالي لشركتي جنرال موتورز وفورد مجتمعتين. أي أن محركات البحث على الإنترنت فاقت في الأرباح – ببون شاسع – محركات الوقود! فما هي محركات البحث؟ وكيف آلت إلى ذلك المجد؟

محركات البحث على الإنترنت مواقع على الشبكة العالمية تقدم لزائريها إمكانية العثور على ما يريدون من معلومات. ومحركات البحث كثيرة، مثل جوجل (google.com) وياهو (yahoo.com) و"آسك جيفز" (askjeeves.com). فمثلا، لو أنك تريد الاطلاع على النسخة الإلكترونية لمجلة العربي، ولا تعرف عنوانها على شبكة الإنترنت، فتستطيع أن تكتب "مجلة العربي" في خانة البحث على أي من محركات البحث آنفة الذكر، وستأتي لك نتائج البحث بموقع مجلة العربي إضافة إلى الصفحات المنشورة على الإنترنت التي ورد بها ذكر المجلة. وثمة إضافات جديدة لمحركات البحث تتيح للمستخدم إمكانية تضييق مجال البحث عن كلمة معينة، فيختار مثلا أن يتم البحث بين ملفات الصور، أو ملفات المواد الصوتية والمرئية أو ضمن الأخبار الجارية فحسب، وهكذا.

تطور سريع

قطعت محركات البحث شوطا تطوريا قصيرا – ولكنه هائل السرعة – منذ البدايات الأولى عام 1990، إلى أن صارت أسرع التطبيقات نموا وتحقيقا للأرباح في القطاع التكنولوجي مع دوران أعوام الألفية الثالثة. وهو الأمر الذي شجع عمالقة قطاع التكنولوجيا عالميا على ولوج هذه الحلبة. شركة مايكروسوفت، مثلا، استثمرت ما يربو على 150 مليون دولار لتطوير محرك بحث متطور طرحته للاستخدام التجريبي في يناير/كانون الثاني الماضي (http://beta.search.msn.com)، وطرحت شركة أمازون، أشهر موقع لبيع الكتب والتجزئة على الإنترنت، محرك بحث (A9.com) منفصل عن موقع الشركة الأم في مايو 2004.

وبنظرة على تاريخ تطور محركات البحث سنلمح الدور الكبير الذي لعبته الجامعات في دفق الحياة سريعا في هذا النوع من التطبيقات التكنولوجية. وهي تشبه في ذلك تكنولوجيا الإنترنت نفسها التي بدأت كمشروع لدى وزارة الدفاع ثم أتيحت عام 1969 للجامعات لتطورها وتبني عليها، ثم انتقلت بعد ذلك من نطاق الجامعات إلى النطاق العام (العالمي) مع بدايات التسعينيات بعد أن نالها قسط كبير من التطوير.

ترجع الجذور الأولى لمحركات البحث الحديثة إلى تطبيق "آركي" (Archie) الذي طوره عام 1990 الطالب آلان إمتيدج من جامعة ماكجيل بكندا. في ذلك الوقت، كانت تكنولوجيا الإنترنت قيد الاستخدام (ويعني ذلك وجود معايير لاتصال الحواسيب بعضها ببعض)، أما تكنولوجيا الشبكة العنكبوتية العالمية للمعلومات (World Wide Web)، والتي تعني وجود معايير أو بروتوكولات لتبادل الملفات بشتى أنواعها، من ملفات نصوص وصور وصوت وبرامج، فكانت لا تزال قيد التطوير بواسطة المبرمج الفذ تيم برنرز لي.

قبل تطبيق "آركي" كانت الطريقة الوحيدة لتخزين واسترجاع الملفات هي عن طريق بروتوكول أو معيار لتناقل الملفات يطلق عليه اختصارا (FTP)، وكانت الوسيلة الوحيدة للحصول على أحد الملفات على شبكة الإنترنت (التي كانت متاحة بصورة رئيسة بين الجامعات الأمريكية والكندية) هي أن تعرف أن الملف المطلوب موجود بالفعل، وأن تعرف عنوانه، ثم 'تطلبه' باستخدام معيار (FTP). وبوصول تطبيق "آركي" تغير كل هذا، لأنه كان يقوم للمرة الأولى بالبحث على الحواسيب المرتبطة بالشبكة ليحصل على عناوين الملفات المخزنة على هذه الحواسيب ثم يقارنها بالكلمة (أو الكلمات) التي يبحث عنها المستخدم.

الأسلاف الأولى

وفي أبريل 1991، طور الشاب مارك ماكاهيل من جامعة مينيسوتا تطبيق "جوفر" القادر على البحث في عناوين المستندات (documents) وليس الملفات (files) وحدها. وفي عام 1992 طور باحثون من جامعة نيفادا الأمريكية أحد الأسلاف الأولى لمحركات البحث، وهو تطبيق "فيرونيكا"، وكان يقوم بالبحث خلال ملفات النصوص المخزنة على الحواسيب المرتبطة بالشبكة بصورة كاملة، وليس عناوينها فحسب. ثم تلاه تطبيق "جاجهيد" عام 1993، ويماثل "فيرونيكا" وظيفيا وإن حظي بالتفضيل لدى المستخدمين. وفي يونيو من نفس العام طور الطالب ماثيو جراي – من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا – طوّاف شبكة الإنترنت (Wanderer)، ويعتبر أول محرك بحث حقيقي، لأنه أول تطبيق يستخدم البرامج الروبوتية في تصنيف وفهرسة (indexing) محتويات الشبكة، إضافة إلى عناوين المواقع (URLs) على الشبكة أيضا. وكلمة "روبوتية" يجب أن لا تختلط بالروبوتات المعدنية التي شاهدناها في الأفلام السينمائية، وإنما تشير إلى تلك البرامج التي تقوم بوظائف معينة بصورة متكررة وسريعة لا يمكن أن يقوم بها البشر. وقد استخدمت هذه البرامج أول ما استخدمت في محركات البحث حتى تقوم بفهرسة ما يضاف من صفحات لشبكة الإنترنت بصورة دائمة.

وحقق مفهوم البرامج الروبوتية نجاحا تمثل في وجود 3 محركات بحث تعتمد على هذه التكنولوجيا بنهاية عام 1993: جامب ستيشن، ودودة الشبكة العالمية وRBSE. وخلال نفس العام، كان ستة طلبة من جامعة ستانفورد الأمريكية يعملون على مشروع بحثي اسمه "أركيتكست" وهو مشروع محرك بحث يستخدم للمرة الأولى التحليل الإحصائي للعلاقات بين الكلمات لتحقيق نتائج أفضل في البحث. وتمكن مطورو هذا المشروع من الحصول على دعم مالي من ممولي وادي السيليكون وأصبح اسمه، واسمه الشركة القائمة عليه، "إكسايت" (Excite.com) التي حققت شهرة واسعة خلال النصف الثاني من التسعينيات الماضية.

بزوغ ياهو

وفي عام 1994 طور ديفيد فيلو وجيري يانج، وكانا وقتها يدرسان لنيل شهادة الدكتوراه في جامعة ستانفورد، دليلا للصفحات المفضلة لديهما على الإنترنت، ثم أضافا إلى ذلك الدليل إمكانية البحث في موضوعاته المختلفة عندما وجدا إقبالا من المستخدمين على زيارة موقعهما، وغيرا اسمه إلى "ياهو"، الذي لا يزال يحظى بنجاح كبير وتفضيل من مستخدمي الإنترنت حول العالم. وفي نفس العام، 1994، أطلق الباحث برايان بنكرتون من جامعة واشنطن محرك بحث "وب كرولر"، وكان يعتمد على برامج روبوتية أكثر تطورا، استفادت منها عدة محركات بحث دشنت في العام التالي مثل إنفوسيك ولايكوس الشهير وأوبن تكست. ومحرك لايكوس نفسه بدأ أيضا كمشروع بحثي للدكتور مايكل مولدن بجامعة كارنيجي ميلون الأمريكية أواسط عام 1994.

وشهد عام 1995 أيضا إطلاق محرك البحث الشهير "ألتا فيستا" (altavista.com)، وكان حينها الأكثر سرعة بين منافسيه. كما أنه أتاح إمكانية البحث ضمن نطاقات مختلفة، كالبحث عن ملفات الصور أو مواد الفيديو. وكذلك كان أول محرك بحث يستخدم المعالجة الطبيعية للغة في الإتيان بنتائج البحث. فمثلا، عندما تكتب في خانة البحث: "ما هي عاصمة إسبانيا؟" فستأتي في صدر نتائج البحث الإجابة: مدريد، إضافة إلى الصفحات التي تحوي الكلمات المكونة للسؤال. وقد طورت شركة مايكروسوفت من هذه الخاصية في محركها البحثي (MSN) الذي طرحته أوائل العام الحالي (2005). وفي نفس العام، 1995، طور إريك سلبورج (الطالب بجامعة واشنطن) محرك البحث "ميتا كرولر"، وهو الأول من نوعه الذي يأتي بنتائجه من خلال تجميع نتائج البحث من عدة محركات بحث مشهورة، ولكن لم ينجح هذا المفهوم نتيجة عدم تعاون محركات البحث الأخرى مع "ميتا كرولر".

ثم جوجل ...

وفي عام 1996 طرح الدكتور إريك برور والطالب بول جوتيير (من جامعة كاليفورنيا) محرك البحث "إنكتومي" بنسخة أكثر تطورا من البرامج الروبوتية الطوافة (أسموها HotBot). وأطلقت عام 1997 محركات بحث عدة أهمها "آسك جيفز" و"فاست"؛ وهي شركة نرويجية. وفي العام التالي طرح سيرجي برين ولاري بيدج، وكانا حينها طالبي دكتوراه بجامعة استانفورد، محرك بحث جوجل، الذي بزت شهرته كل سابقيه ومعاصريه، باعتباره أكثر محركات البحث قدرة على التنقيب في مليارات الصفحات على الإنترنت وغربلتها للحصول على المعلومات التي طلبها المستخدم. وتعتمد تكنولوجيا البحث على جوجل على إعطاء قيمة لكل صفحة على الشبكة العالمية وفقا لعدد الصفحات المرتبطة بها (وذلك باعتبار أن كل صفحة على الإنترنت مرتبطة بصفحة أخرى على الأقل)، وحيث تحصل الصفحات التي تحظى بأكبر قدر من الوصلات أو الروابط المؤدية إليها بأكبر تقييم، ومن ثم فإنها تأتي في صدر نتائج البحث. وأدت هذه الطريقة المبتكرة إلى جعل جوجل محرك البحث الذي يأتي بأفضل النتائج، ويحظى بتفضيل ملايين المستخدمين حول العالم، حيث يقدر عدد مستخدميه في الثانية الواحدة بحوالي 1000 مستخدم.

وخلال رحلة تطور تقنيات محركات البحث، زاد عدد الحواسيب المرتبطة بالشبكة العالمية بصورة جبارة، وتزايد بالتالي حجم الملفات المتاحة في الفضاء الإلكتروني بصورة مماثلة، وقد أدت هذه الضخامة في حجم البيانات والمعلومات المتاحة على الشبكة العالمية إلى نتيجتين: أولا، أهمية الترقي الدائم في تقنيات محركات البحث لتمكين المستخدم من الوصول لما يريد في هذه "المكتبة" الهائلة. وثانيا، أن مستخدمي الإنترنت صاروا يبدؤون أي تعامل لهم مع الشبكة العالمية من خلال محركات البحث. فسواء كان غرضك التعلم أو الترفيه أو حتى قتل الوقت فإن المكان الأكفأ للبداية هو خانة البحث، لترتد إليك النتائج مصنفة ومرتبة في الموضوع الذي أردت، بعد أن كانت مبعثرة في الفضاء الإلكتروني بغير رابط، ومن ثم بغير قيمة.

وأدت هذه الأهمية المحورية لمحركات البحث، باعتبارها نقاط الانطلاق في تعامل معظم المستخدمين مع الإنترنت، إلى جعل محركات البحث أهم وسيط إعلاني على الإنترنت مما أدى بدوره إلى تصاعد قيم أسهم وأرباح محركات البحث مثل جوجل وياهو.

وليد الشوبكي

[مصدر الصورة: www.cdweb.com]

No comments: