March 12, 2007

برامج حاسوب مجانية .. بغير قرصنة



برامج حاسوب مجانية .. بغير قرصنة

مجلة العربي (الكويت)، يوليو 2005 [العنوان المنشور للمقال: تايتانك بلا قرصنة]
(نسخة أيسر للطباعة نسق بي دي إف) (في الصورة إلى اليسار ريتشارد ستولمان)

يتصاعد عالميا الآن اتجاه المصدر المفتوح، وهو نموذج جديد في إنتاج ونشر برامج وتطبيقات الحاسوب، وثماره برامج أغلبها مجاني تنافس نظيراتها التجارية.

يُقصد بالمصدر المفتوح أن تتاح الشيفرة التي كُتبت بها برامج أو تطبيقات الحاسوب لمن يحصل على هذه البرامج بحيث يتمكن من إعادة نشرها إما على صورتها أو بعد تحويرها، بحرية تامة. ومن أبرز منتجات نموذج المصدر المفتوح نظام التشغيل "لينوكس" المجاني (تقريبا) المنافس لنظام تشغيل "ويندوز" الذي يتراوح سعره حول 150 دولارا أمريكيا، وتنتجه شركة مايكروسوفت.

أول من أطلق شرارة البداية للمصدر المفتوح هو ريتشارد ستولمان، الذي عمل كباحث بقسم الحاسوب بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا حتى عام 1983، ثم أسس عام 1984 مؤسسة التطبيقات الحاسوبية الحرة. وحسب ستولمان فإن المقصود بالتطبيقات الحاسوبية الحرة (Free Software)، أو المصدر المفتوح، "هو أن نضمن للمستخدم بعض الحريات الأساسية في استخدامه لبرامج الحاسوب. وهذه الحريات تشمل: حرية المستخدم في تشغيل البرنامج لأي غرض يبغيه؛ حرية دراسة والتعرف على كل إمكانات وقدرات البرنامج المستخدم؛ حرية أن يتمكن المستخدم من تغيير البرنامج ليوافق احتياجاته الشخصية ليعظم منفعته من استخدام البرنامج؛ وحرية نشر أو إعادة توزيع البرنامج الجديد [بعد التحوير] ليستفيد منه الآخرون"، كما ذكر ستولمان لشبكة أخبار التكنولوجيا؛ نيوز دوت كوم، أواخر عام 2002.

وصفات سرية

ويشبه ستولمان البرامج التي لا تتيح لمستخدميها الاطلاع على شِفرتها (أو مصدرها) – كتلك التي تنتجها شركات مثل مايكروسوفت وأوراكل – بما يحدث لو أصبحت وصفات إعداد وجبات الطعام معلومات سرية، وحيث لا تتاح لمن يريد الحصول على الوجبة المعلومات حول مكوناتها أو طريقة صنعها؛ فقط عليها أن يأكلها كما هي، أو لا يأكل على الإطلاق!

فإذا كانت برامج المصدر المفتوح متاحة مجانا، فمن الذي يقرر أفكار هذه البرامج، وكيف يتم التعاون بين المبرمجين، وما حافزهم لتطوير برامج لن تدر عليهم أي عائد مادي؟ حاول الإجابة عن هذه الأسئلة (وغيرها) الدكتور ستيفن ويبر في كتابه "نجاح المصدر المفتوح" الصادر أوائل العام الحالي.

أولا، المبرمجون الذين يعملون في تطوير أي من برامج المصدر المفتوح يقومون بذلك بصورة تطوعية، ووسيلة تواصلهم الأولى والوحيدة غالبا هي شبكة الإنترنت التي تتيح نقل شيفرة البرامج (وهي عبارة عن نصوص) بكفاءة، وهم غالبا ينتظمون في مجموعات، بعضها بضع آحاد وبعضها بضع مئات، كل منها ذات اهتمام واحد؛ مثل تطوير برامج تصفح للإنترنت أو برامج مضادة للفيروسات أو ما شابه. وثانيا، يتم تحديد اللبنات أو الأفكار الأولى للبرامج عن طريق تبادل الآراء والتشاور بين أفراد كل مجموعة، أو أكثر من مجموعة، إلى أن يتم الاتفاق على الخطوط العامة لبرنامج ما، ثم يبدأ الجميع في العمل وفق قواعد غير صارمة في تقسيم المهام، ويتولى أحد أفراد المجموعة النظر في كل "النسخ" التي تم تطويرها لذلك البرنامج ليختار النسخة "النهائية".

غدا الإصدار التالي!

والحق أنه لا يوجد إصدار نهائي في برامج المصدر المفتوح. فكل برنامج يخضع للحرية التامة في تعديله بصورة مستمرة من قبل المبرمجين المحترفين أو على المستوى الشخصي، كل مستخدم حسب رغباته. وهذا الحق يكفله ويحافظ عليه القانون الأمريكي لأن ستولمان قد سجل رخصة قانونية خاصة لبرامج المصدر المفتوح أسماها "رخصة الملكية العامة"، تتيح لأي فرد حرية استخدام برامج المصدر المفتوح طالما أنه سيتيح الشيفرة أو المصدر عندما يقوم بإجراء أي تعديلات أو تحسينات على البرنامج الذي حصل عليه. ودرأت هذه الرخصة خطر استيلاء إحدى الشركات الكبرى على برامج المصدر المفتوح مجانا ثم استغلالها في برامج تجارية مغلقة المصدر.

فماذا عن حافز المبرمجين ليتطوعوا بلا عائد مادي؟ في رأي ستيفن ويبر ثمة عدة عوامل تصطلح معا لتفسير تطوع المبرمجين. أولا، أن الكثير من المبرمجين الذين يشاركون في تطوير برامج المصدر المفتوح هم مبرمجون محترفون يستغلون أوقات فراغهم في إبداع البرامج التي يرغبون حقا في تطويرها، بالمقارنة بالبرامج التي يصممونها وفقا لما تمليه وظائفهم، ومن ثم فإن ذلك يحقق لهم شعورا بإشباع الذات. وثانيا، أن بعضا من مبرمجي المصدر المفتوح هم طلبة أو أشخاص لم يلتحقوا بعد بسوق العمل، ومن ثم فإنهم يشاركون في تطوير برامج المصدر المفتوح لاكتساب المهارات اللازمة – مجانا – للحصول على وظيفة جيدة في إحدى شركات التكنولوجيا. خاصة أن نجاح أي من برامج المصدر المفتوح يحقق لمطوريه شهرة تجعلهم محط أنظار الشركات الكبرى، كما حدث مع "بن جرودجر"، الذي أشرف على تطوير متصفح الإنترنت المجاني "فايرفوكس" ذائع النجاح (قام بتحميله من على الإنترنت حوالي 10 مليون شخص في 4 أشهر). فقد حصل ذلك الشاب، وعمره 24عاما، على وظيفة مرموقة مؤخرا لدى شركة "جوجل"؛ محرك البحث الشهير على الإنترنت.

وللربح أيضا

ورغم اتهام الكثير من الشركات مثل مايكروسوفت اتجاه المصدر المفتوح (أو التطبيقات الحاسوبية الحرة) بأنه ينطوي على أفكار "اشتراكية"؛ من حيث إتاحة المنتجات (البرامج) للجميع بغير جهد، إلا أن ثمة نماذج على نجاح مؤسسات أعمال في الاستفادة من برامج المصدر المفتوح في تحقيق أرباح، وذلك دون تغيير لطبيعة أو قوانين برامج المصدر المفتوح. فشركة "آي بي إم" أعلنت في أواسط عام 2000 أنها ستدعم مبرمجي المصدر المفتوح الذين يعملون على تطوير نظام تشغيل "لينوكس"بمليار دولار أمريكي، على أن لا يكون مصدر أرباح "آي بي إم" هو بيع "لينوكس" بالطبع، وإنما بيع وصيانة أجهزة الحواسيب الخادمة التي تعمل على نظام التشغيل هذا. وبلغت عوائد الشركة من بيع الحواسيب العاملة بنظام "لينوكس" عام 2003 حوالي 2 مليار دولار. وليست "آي بي إم" هي الشركة الوحيدة التي تدعم "لينوكس"، فهناك شركات تكنولوجيا عديدة أخرى مثل إنتل (لإنتاج الشرائح الحاسوبية) وهيوليت باكارد (لإنتاج الحواسيب) ونوكيا و"إن إي سي" وغيرها.

فإذا كانت برامج المصدر المفتوح ثمار العمل التطوعي لمبرمجين من شتى أنحاء الدنيا يلتقون عبر الإنترنت، أيعني ذلك أن هذه البرامج ليست ذات كفاءة عالية لأنها لم تطور وفقا لقواعد صارمة كتلك الموجودة في الشركات الكبرى؟ ربما يكون العكس هو الصحيح. فالقواعد الصارمة في الشركات ربما تقيد الإبداع أحيانا أو تحده، كما أن كل شركة، مهما كبرت، لديها عدد محدد من المبرمجين. أما في المصدر المفتوح، فإنه لا حدود للتطوير والتحسين والإبداع، كما أن عدد المبرمجين غير محدود كذلك. فمثلا، يقدر عدد المبرمجين الذين شاركوا في تطوير نظام "لينوكس" بما يزيد على 20 ألف مبرمج من شتى أنحاء الأرض. ونشرت مؤسسة "فورستر" الأمريكية للأبحاث أواخر العام الماضي بحثا يقول بأن عدد "الأخطاء" في شيفرة نظام "لينوكس" تقدر بحوالي عُشر مثيلاتها في نظام تشغيل "ويندوز" من مايكروسوفت. ونستطيع إدراك السبب وراء ذلك.

وتتعدد صور نجاح المصدر المفتوح ومنتجه الأهم "لينوكس". فحواسيب وزارة الدفاع ووزارة الطاقة ووكالة الأمن القومي الأمريكية كلها تعمل على "لينوكس". ولو أن أفلام "تايتانك" أو "أمير الخواتم" حازت على إعجابك، فلتعلم أن ما بها من إبهار بصري قد صمم على حواسيب تعمل على نظام تشغيل "لينوكس" كذلك، وتعمل عليه أيضا الحواسيب الخاصة بشركات أمازون (موقع بيع الكتب والتجزئة الشهير على الإنترنت) وإي تريد (للتعاملات المصرفية الإلكترونية) ووكالة أخبار رويترز، ومؤسسة ميريل لينش الشهيرة للتعاملات المالية ومحرك البحث الشهير على شبكة الإنترنت: جوجل.

وتجدر الإشارة إلى أن الكثير من المتحمسين لاتجاه المصدر المفتوح يرون فيه فرصة سانحة لدول العالم الثالث لتلحق بقطار التكنولوجيا السريع، ليس فقط لأن البرامج مجانية غالبا، ولكن بالأساس لأن شيفرة هذه البرامج متاحة للاطلاع عليها ودراستها، مما يوفر الفرصة للمبرمجين المبتدئين أو الطلاب لكي يتعلموا ويجربوا ويتدربوا بغير قيود. ويعمل مبرمجون عرب من لبنان ومصر والعراق والسعودية الآن على الاستفادة من برامج المصدر المفتوح، مثل لينوكس، بتعريبها وتوسيع نطاق الوعي بها وبناء تطبيقات عليها.

إطار جانبي

برامج مجانية ومفيدة من المصدر المفتوح

· حزمة برامج "أوبن أوفيس" المكتبية، مثل معالج النصوص والجداول وقواعد البيانات. ونظرا لكبر حجم حزمة البرامج (تزيد على 60 ميجا بايت)، فإنها تحتاج إلى سرعات عالية في الاتصال بالإنترنت. www.openoffice.org

· متصفح الإنترنت "فايرفوكس"، متصفح سريع وبسيط للإنترنت، وهو مؤمن ضد برامج التجسس. يمكن تحميله من موقع www.mozilla.org، حجمه حوالي 5 ميجا بايت.

· برنامج "ثندر بيرد" لاستقبال وتنظيم الرسائل، بسيط وعملي، حجمه حوالي 6 ميجا بايت. يمكن تحميله من موقع www.mozilla.org.

· برنامج "سباي بوت" لتحصين حاسوبك ضد برامج التجسس التي ربما تتعرض لها إذا كنت تستخدم متصفح إنترنت إكسبلورر. يمكن تحميله من موقع ww.spybot.info.

· موقع www.sourceforge.net يحوي الآلاف من البرامج المطورة، أو قيد التطوير، وفقا لنموذج المصدر المفتوح.





2 comments:

أحمد غربية said...

جيد. لكن الكاتب لا يميز ما بين مصطلحي "مفتوح المصدر" و "مجاني". المصطلحان يمثلان حالة متغيرين مستقلين، هما إتاحة المصدر، و السعر على الترتيب. أي أنه توجد حالات عدة للبرمجية:

مغلقة/بمقابل: مثل برمجيات ميكروسوفت.

مغلقة/مجانية: مثل برمجيات كثيرة يسمح مؤلفوها بتنزيلها و نسخها و استعمالها بلا مقابل لكنهم لا يتيحون كودها المصدري، و لا يسمحون بإعادة تشكيلها و تطويرها. هذا قد يتحول إلى النمط "الحر" أدناه، و قد يتحول إلى النمط الأول أعلاه إذا ما كان المؤلف يحتفظ بحقوق ملكيتها الفكرية لنفسه.

مفتوحة/بمقابل: يمكن الاطلاع على مصدرها لكن المطور يحتفظ بالملكية الفكرية بحيث لا يمكن قانونا لآخرين البناء عليها أو إعادة تشكيلها.

مفتوحة/مجانية: و هي البرمجيات "الحرة"، التي يتيح مؤلفها كود المصدر لمن يريد الاطلاع عليه، و يسمح بتوزيعه و استخدامه بلا مقابل، و ينشره تحت رخصة تضمن بقاء هذا العمل الفكري في متناول الجميع، بما فيها ما يبنى عليها و يبيع منتجه، و بذلك يحول دون تحولها إلى ملكية حبيسة الخزائن الخاصة.


و الحقيقة أن إتاحة المصدر من عدمه هو أمر ثانوي و تقني و ليس قانونيا/اجتماعيا، لأنه بالتعريف فأي برمجية يمكن هندستها عكسيا و استخلاص "مصدر ما" يؤدي ذات الوظيفة، كما أنه في كثير من التقنيات فإن الكود التنفيذي "المعلب" للمستهلك يكون هو ذاته كود المصدر، دون تحويل إلى شكل يستغلق على الاطلاع.

لذلك يمكن استبدال "مغلقة" في الحالتين الوسطيين أعلاه بصفة "محمية". العامل الحاسم هنا هو طبيعة الرخصة التي تحكم الملكية الفكرية.

فتح المصدر الهدف منه أساسا تسهيل الاطلاع و التعاون بين المطورين بالشكل الذي حقق الطفرة التي شهدتها البرمجيات الحرة. ما يجعل البرمجيات الحرة حرة هو رخصتها أساسا.

----
لكن لماذا تستخدم مزيجا من محرر تصوص جوجل و المدونة و لا تنشر المقالات في المدونة مباشرة؟

Waleed Al-Shobakky said...

أشكر لك تعليقك يا أبا غربية.. أولا فيما يتعلق بالتسمية: البرمجيات الحرة أو المصدر المفتوح، آثرت استخدام المصدر المفتوح لأنه أكثر عمومية وليس مقصورا على البرمجيات فحسب. وقد كان في نيتي أن أكتب مقالا آخر حول تطبيقات المصدر المفتوح (وخاصة أفكار ريتشارد ستولمان) في مجالات أخرى مثل علوم البيوتكنولوجي، وهو ما حدث فعلا في مقال نشر بالعربي الكويتية بعنوان: من ويكيبيديا إلى كامبيا.

أقر أن المصدر المفتوح ليس التسمية الأكثر دقة. ولكن تذكر أنه حتى في وسط المبرمجين في البرمجيات الحرة/المفتوحة ثمة خلاف حول هذه النقطة ولهذا ظهر للوجود المصطلح الجامع:
FOSS: free and open source software
والذي أجده حلا وسطا ويرضى بدرجة ما جميع الأطراف.

أخيرا، بعد تفكير أوليت الوضوح على الدقة حين فاضلت بين أن أشرح المعنيين أو أن أكتفي بأحدهما محاولا شرح الأبعاد العامة للفلسفة محل النقاش، وهي أفكار ستولمان. وهذا في نهاية الأمر خيار كاتب، ربما يكون خطأ أو صوابا. وغالبا ما سينال نصيبه من النقد ممن يولون للدقة الأولوية على التبسيط. ولكن المنطق الذي فكرت به أن هذا مقال تعريفي عام لظاهرة ليست ذائعة في العالم العربي؛ وفي مثل هذه الظروف يكون التبسيط (وإن على حساب الدقة بدرجة ما) أمرا محمودا. والله أعلم.

أما سبب استخدامي لبلوجر ومحرر النصوص من جوجل أني (ويا للخجل) لست أعرف كيف أنشر جزءً من المدونة على الصفحة الرئيسية، وبقيتها في صفحة مستقلة بالـ "برمالنك" الخاصة بها -- وأدعي أني كاتب علوم وتكنولوجيا! فإن كنت تستطيع مساعدتي في ذلك فإني مقدما من الشاكرين!

وليد