March 12, 2007

ماذا بعد جوجل؟

ما بـعـد جـوجـل

آفاق وتحديات البحث على الإنترنت

ولـيد الشـوبـكي – إســلام أونـلاين، أغسطس 2004

(رابط للمقال على الموقع)


كأنما بين عشية وضحاها، تحولت تقنية البحث على الإنترنت من خدمة ثانوية إلى العصا السحرية التي تحقق وعود ثورة المعلوماتية.


فقد كانت المواقع متعددة الخدمات مثل "Yahoo" وأمريكا أون لاين "AOL" تنظر للبحث على الإنترنت باعتباره خدمة ليست ذات بال بالمقارنة بالبريد الإلكتروني المجاني أو "الدردشة". إذ لم يكن يُنتظر أن تُجنى من وراء تقنية البحث أي عوائد، فليس من المتوقع أن يدفع أي مستخدم يوما مقابلا لاستخدامها.


إلا أنه خلال الفترة ما بين تهاوي أسهم معظم شركات مواقع الإنترنت في أواخر عام 2000 واسترداد بعض تلك الشركات عافيتها من جديد صعد نجم شركة "جوجل" (Google) باعتبارها أهم محرك بحث على الإنترنت، وكانت قمة صعوده عندما أعلنت الشركة في إبريل 2003 عن طرح أسهمها للاكتتاب العام في بورصة نيويورك، مما سيجلب للشركة حوالي 3.3 مليارات دولار، وسيقفز بالتقييم المالي للشركة إلى حوالي 22 مليار دولار.


وقد صاحب – أو أعقب – صعود جوجل أن صارت محركات البحث المنفصلة أو تلك الموجودة على المواقع الكبيرة، مثل MSN و AOL والتي كانت تعاني من الإهمال مثار الاهتمام ومصب الاستثمارات.


فشركة مايكروسوفت أعلنت أنها ستدمج تقنية بحث فائقة على النسخة القادمة من نظام تشغيلها "ويندوز"، المنتظر طرحه عام 2006 (باسم كودي "لونج هورن"). كما بزغت خلال السنوات الثلاثة الأخيرة عشرات محركات البحث المتنوعة في التوجه والتقنية. وهكذا صارت تقنية البحث على الإنترنت القطار الذي يحاول الجميع قيادته أو اللحاق به على الأقل.. فكيف حدث ذلك التغير؟


عصر البحث وليس التنظيم

نستطيع تفسير ازدهار محركات البحث بأنه راجع -ببساطة- إلى النمو الكبير للشبكة العالمية. فقد وصل حجم مجموع مخزون الحواسيب المرتبطة بشبكة الإنترنت إلى حوالي 256 تيرا بايت (مليون جيجا بايت) من النصوص والمواد المسموعة والمرئية.. وقد أدى ذلك النمو الكبير إلى شعور المستخدم العادي، بأنه يعاني من "تخمة معلوماتية"، لها نفس الأثر السيئ الناتج عن شح المعلومات؛ ففي كلتا الحالتين لا يستطيع المستخدم الحصول على ما يريد.


لقد أعطت تقنية البحث على الإنترنت للمعلومات قيمتها، وجعلت الوعود التي صاحبت ما سُمي "ثورة المعلومات" قابلة للتحقق. وقد لخص ذلك ستيف جوبز رئيس شركة أبل للكمبيوتر في المؤتمر العالمي لمطوري الشركة في سان فرانسيسكو أوائل يوليو 2004 بقوله: "الموجة القادمة هي البحث وليس التنظيم" (ويقصد أن المستخدم لن يهتم بتنظيم الملفات في فهارس، وإنما سيضعها على حاسبه الشخصي أو على الشبكة فحسب وعندما يريدها سيبحث عنها بواسطة تقنيات البحث).


فبكتابة كلمة مفتاحية (keyword) أو عبارة في خانة البحث على أي محرك بحثي، تقوم برامج تقنية البحث وتسمى عناكب (spiders) بالتنقيب في المليارات من صفحات الإنترنت الموجودة على الملايين من أجهزة الكمبيوتر المرتبطة بالشبكة وغربلتها وتحليلها لتأتي لك بعناوين الصفحات أو المواقع التي تحوي الكلمة أو العبارة موضع البحث، وبعد أن كانت تلك الصفحات أو المواقع ملقاة متناثرة في الفضاء الإلكتروني بغير رابط -ومن ثَم بغير قيمة- صارت لها قيمة هائلة من خلال محتواها الذي سيثري الموضوع محل البحث.


لكن لا يزال هناك ما يثير شكوى المستخدمين من محركات البحث، بما فيها جوجل، وهو أن عدد نتائج البحث -والذي يصل أحيانا إلى ملايين الصفحات- يكون من الضخامة بحيث يستحيل أن يصل المستخدم لما يريد. فكتابة "blue whale" (الحوت الأزرق) في خانة بحث جوجل ستأتي لك بـ 629 ألف صفحة، بعضها بالطبع عن الحوت الأزرق، ولكن هناك أيضا صفحات عن دهانات وفرق موسيقية ومجموعات بيئية وإعلانات عروض تليفزيونية وأجهزة منزلية، كلها تحمل نفس الاسم.


أدى ذلك إلى مطالبة المستخدمين بتقنيات بحث أكثر دقة وتخصصا. وقد شجع ذلك الكثير من الشركات الصغيرة الناشئة -بل جوجل نفسها- على العمل لإضافة تطويرات على تقنية البحث لجعلها أكثر قدرة على توصيل المستخدم للصفحات والمواقع ذلك الصلة بموضع البحث فحسب.


تقنيات البحث ما بعد جوجل

ثمة قيدان يحولان دون تمكن محركات البحث الشهيرة من الوفاء بطموحات مستخدميها. أولا أنها تأتي بعدد هائل من النتائج – غير دقيق وغير ذي صلة بموضوع البحث – بصورة تثبط قدرة الشخص على البحث عما يريد وسط ذلك العدد الضخم من الصفحات. وثانيا أنها لا تستطيع البحث إلا من خلال كتابة نص؛ كلمة أو عبارة، وذلك لعدم قدرة التقنيات الحالية على البحث خلال الوسائط الأخرى مثل ملفات الصوت والصورة، أو ملفات الأشكال ثلاثية الأبعاد. وقد أدى ذلك القصور إلى ظهور جيل جديد من تقنيات ومحركات البحث:


* محركات البحث المتخصصة: وهي تلك التي تتخصص في الإتيان بنتائج البحث في نطاق معين فحسب، كالعلوم مثلا. فلو أنك بحثت عن "blue whale" مثلا، فلن تظهر لك إلا النتائج التي تقع في نطاق المواقع العلمية أو الأبحاث والمنشورات العلمية فحسب. ومثال ذلك مواقع scirus.com، ingenta.com، PubMed.com، وneurogate.com وكلها متخصصة في البحث في نطاق المواقع والنشرات والدوريات الأكاديمية أو الطبية.


* محركات بحث ملفات الصوت: وتقوم بالتنقيب داخل ملفات الصوت نفسها، من خلال تقنية التعرف على الصوت (voice recognition). ومحركات البحث هذه تستطيع أن تقسم ملفات الصوت الطويلة إلى ملفات صغيرة حسب موضوعها، ويستطيع المستخدم أن يصل لكل موضوع من هذه على حدة. فلو أن مسئولا حكوميا مثلا يتحدث حول عدة موضوعات ذات اهتمام جماهيري في حديث إذاعي مبثوث عبر الإنترنت، فإن التقنية الجديدة تستطيع أن تحدد مثلا الجزء الذي يتحدث فيه عن الرعاية الصحية، وتجعله متاحا في نتائج البحث. ومن أمثلة محركات البحث هذه شركة "إستريم سيج" StreamSage. ويذكر أن كلية طب جامعة هارفارد تستخدم تلك التقنية لمساعدة طلابها على الحصول على المحاضرات عبر الإنترنت.


* محركات البحث ثلاثية الأبعاد: وفيها يكون على المستخدم أن "يرسم" شكلا تخطيطيا باستخدام فأرة الحاسوب، وسيستدعي هذا التخطيط الأولي نماذج مشابهة ومقابلة أكثر تعقيدا من قواعد البيانات المرتبطة بمحرك البحث. وفي حالة عدم مطابقة نتائج البحث لما يحتاجه المهندسون أو المصممون فإن محرك البحث يظهر الهيكل التصميمي للتركيب الهندسي. يستطيع المستخدم أن يجري بعض التعديلات على هيكل إحدى النتائج البحثية بزيادة أو نقصان أحد الأبعاد، ثم يعيد البحث كرة أخرى عبر التعديل الجديد ليحصل على نتائج أكثر دقة. ويعكف على تطوير هذه المحركات البحثية فريقان، أحدهما من جامعة بوردو، والآخر من جامعة برنستن الأمريكية.


* تقنية البحث المحلي: وتقودها كل من شركتي ياهو وجوجل. في هذه التقنية يحدد المستخدم موقعه، مدينة نيويورك مثلا، ومن ثَم لا تُعرض له من نتائج البحث (فيما يتعلق بمقدمي المنتجات أو دور السينما أو المطاعم) إلا تلك التي تقع في مدينته فحسب.


* محركات البحث التي تبحث في الملفات على الحاسوب الشخصي والشبكة العالمية في آن واحد: مثل ذلك التي طرحته شركة Blinkx والذي يظل يتابع أي صفحة يقرؤها المستخدم على شاشة حاسوبه، ويأتي بالصفحات ذلك الصلة بموضوع تلك الصفحة من على الحاسوب الشخصي ومن على الإنترنت. وكذلك تقنية البحث التي ستطرحها أبل في النسخة القادمة من نظام تشغيلها (tiger)، وسيقوم بالبحث على الحاسوب والإنترنت في آن واحد، واسم تلك التقنية SpotLight.


* التقنيات البحثية المكملة: وهي تلك التي لا تقوم بالأساس كمحركات بحث، وإنما كمكملات بالتعاون مع محركات أخرى. إذ تقوم بتنظيم نتائج البحث -من ياهو مثلا- في فئات كبيرة. فمثلا عند البحث عن "blue whale" فسيتم تقسيم النتائج -على سبيل المثال- إلى فئة المنتجات، وفئة المواد الصوتية، وفئة النصوص، وهكذا... من أمثلة هذه التقنيات تلك التي تقدمها شركتا Vivisimo وGrokker.


بل ويتطور مدى استخدام البحث على الإنترنت لآفاق لم يكن أحد ليتصورها. فقد وصلت تقنيات البحث لدرجة أن أصبحت إحدى وسائل الصراع في حملة الانتخابات الأمريكية 2004. فقد قام مؤيدون للحزب الجمهوري بالربط بين كلمة waffle (وتعني التحدث بغير معنى ولا فائدة) على محرك جوجل وموقع المرشح الديمقراطي على الإنترنت، بحيث إذا قام مستخدم بالبحث عن تلك الكلمة ظهر له في صدر نتائج البحث موقع "جون كيري" على الإنترنت! وقد رد الديمقراطيون بأن ربطوا -على محرك جوجل أيضا- بين كلمة "أخطاء فادحة" miserable failures وموقع الرئيس الجمهوري جورج بوش الابن!


لقد غيرت تقنيات البحث الشبكة العالمية وكيفية استخدام البشر لها. ويبدو أنها ستظل مجبرة على الترقي الدائم لإشباع رغبة الإنسان في الحصول على أقصى إشباع لإحدى أعمق غرائزه: نهمه الدائم للمعرفة.

No comments: